وُجّهت إلى النائبة الديمقراطية في الكونغرس الأمريكي عن ولاية فلوريدا، شيلا شيرفيلوس-ماكورميك، تهم فدرالية بسرقة ٥ ملايين دولار من أموال الإغاثة الحكومية، وغسل هذه الأموال واستخدام جزء كبير منها لتمويل حملتها الانتخابية لعام ٢٠٢١. وتقول وزارة العدل إن مجموع العقوبات القصوى على التهم الواردة في لائحة الاتهام قد يصل نظريًّا إلى ٥٣ عامًا من السجن في حال إدانتها بجميع التهم.
أموال وكالة الطوارئ الفدرالية FEMA وكيف بدأت القضية
توضح وزارة العدل أن القضية تتعلق بعقد لتقديم طواقم عمل لتطعيمات كورونا، موَّلته «وكالة إدارة الطوارئ الفدرالية» المعروفة اختصارًا باسم FEMA، وهي الجهة الحكومية المسؤولة عن إدارة الكوارث وتوزيع أموال الإغاثة في الولايات المتحدة. وبحسب لائحة الاتهام، عملت شيرفيلوس-ماكورميك (٤٦ عامًا) وشقيقها إدوين شيرفيلوس (٥١ عامًا) من خلال شركة رعاية صحية عائلية في عقد ممول من FEMA عام ٢٠٢١، وتلقّت الشركة «دفعة زائدة» بقيمة ٥ ملايين دولار من أموال الوكالة بدلاً من المبلغ المستحق فعليًا.
وتتهم النيابة النائبة وشقيقها بالتآمر للاستيلاء على هذا المبلغ بدلًا من إعادته للحكومة، ثم تمرير الأموال عبر عدة حسابات مصرفية لإخفاء مصدرها الحقيقي. وتذكر وزارة العدل أن شيرفيلوس-ماكورميك استخدمت هذه الأموال في الإثراء الشخصي وفي تمويل جزء كبير من حملتها الانتخابية للكونغرس، بدلًا من إعادة الدفعة الزائدة لخزانة الدولة كما يقتضي القانون.
مخطط «المتبرعين الوهميين» وتمويل الحملة
إلى جانب تهمة سرقة أموال الإغاثة، تتضمن لائحة الاتهام اتهامات للنائبة والمتهمة الأخرى نادِج لوبلان (٤٦ عامًا) بإدارة مخطط يُسمّى في القانون الأمريكي Straw Donors أو «المتبرعين الوهميين». هذا المصطلح يعني أن يقوم شخص بتمويل التبرع من ماله، لكن يُسجَّل التبرع رسميًا باسم شخص آخر، للتحايل على قوانين شفافية وتمويل الحملات الانتخابية التي تفرض حدودًا على التبرعات الفردية وتُلزم بالكشف عن المصدر الحقيقي للأموال.
وبحسب وزارة العدل، حوَّلت شيرفيلوس-ماكورميك والمتهمة لوبلان مبالغ أخرى من أموال عقد التطعيم الممول من FEMA إلى أصدقاء وأقارب، ثم قام هؤلاء بتحويلها كتبرعات إلى حملة النائبة الانتخابية وكأنها من أموالهم الخاصة. وإذا ثبتت هذه الوقائع أمام المحكمة، فقد تُعتبر التفافًا متعمدًا على قوانين تمويل الحملات في الولايات المتحدة، والتي تشدد على منع استخدام أموال مجهولة المصدر أو تمويه هوية المتبرع الحقيقي.
اتهامات ضريبية وتقديم إقرار ضريبي كاذب
لا تقف القضية عند أموال الإغاثة فقط؛ إذ تتضمن لائحة الاتهام أيضًا اتهامًا لشيرفيلوس-ماكورميك ومُعدّ إقرارها الضريبي لعام ٢٠٢١، ديفيد سبنسر (٤١ عامًا)، بالتآمر لتقديم «إقرار ضريبي فدرالي كاذب» (Federal Tax Return). والإقرار الضريبي الفدرالي هو المستند الرسمي الذي تُقدَّم فيه بيانات الدخل والخصومات لمصلحة الضرائب الأمريكية.
وتقول النيابة إنهما سجّلا نفقات سياسية وشخصية على أنها مصروفات تجارية، وادعيا تبرعات خيرية أعلى من الواقع، بهدف خفض الضريبة المستحقة بشكل غير قانوني. وتشير لائحة الاتهام إلى أن هذه الممارسات، إذا أُدين بها المتهمون، قد تضيف سنوات أخرى إلى العقوبات المحتملة، على أساس قوانين التهرب الضريبي والتآمر لتقديم بيانات وهمية إلى السلطات الفدرالية.
تحقيقات سابقة من مكتب السلوك البرلماني ولجنة الأخلاقيات
تأتي هذه الاتهامات الجنائية فيما كانت النائبة بالفعل تحت المجهر الأخلاقي في الكونغرس. ففي مايو ٢٠٢٤ تلقّت «لجنة أخلاقيات مجلس النواب» إحالة من «مكتب السلوك البرلماني» Office of Congressional Conduct (OCC)، وهو مكتب مستقل وغير حزبي يراجع شكاوى السلوك ضد أعضاء الكونغرس ويستطيع إحالة القضايا إلى لجنة الأخلاقيات لمزيد من التحقيق.
أفاد تقرير المكتب بأن هناك «سببًا جوهريًا للاعتقاد» بأن شيرفيلوس-ماكورميك طلبت تمويلًا لمشروعات مجتمعية Community Project Funding يمكن أن يوجَّه إلى كيان ربحي، وهو ما قد يخالف قواعد مجلس النواب والقانون الفدرالي إذا ثبت أنه وُجّه لمنفعة تجارية خاصة. وبموجب قواعد المجلس، أصبح تقرير المكتب علنيًا في مايو ٢٠٢٥ لأن لجنة الأخلاقيات لم تكن قد أنهت تحقيقها بعد، ثم أعلنت اللجنة في يوليو أنها صوّتت بالإجماع على إعادة تفويض لجنة فرعية لمواصلة التحقيق، مع التأكيد في الوقت نفسه على أن استمرار التحقيق لا يعني بالضرورة وقوع مخالفة.
من هي شيلا شيرفيلوس-ماكورميك؟
فازت شيرفيلوس-ماكورميك لأول مرة بمقعدها في الكونغرس في انتخابات خاصة في يناير ٢٠٢٢، لملء المقعد الذي شغره النائب الديمقراطي الراحل ألسي هيستينغز. وتمثل النائبة الدائرة العشرين في جنوب فلوريدا، وفازت في انتخابات ذلك العام العامة بنسبة تجاوزت ٧٠٪ من الأصوات، ثم أُعيد انتخابها العام الماضي دون منافسة تُذكر، ما يعكس ثقل الحزب الديمقراطي داخل دائرتها.
وقبل دخولها الكونغرس، كانت شيرفيلوس-ماكورميك تشغل منصبًا قياديًا في شركة عائلية تعمل في مجال الرعاية الصحية. وتشير تقارير رقابية إلى أن دخلها عام ٢٠٢١ ارتفع بشكل ملحوظ بعد حصول الشركة على عوائد مرتبطة بعقود حكومية، وهو ما كان من بين العناصر التي أثارت تساؤلات مكتب السلوك البرلماني ولجنة الأخلاقيات حول مصادر هذه الأموال وطبيعة استخدامها.
ردّ النائبة وفريقها القانوني وموقف وزارة العدل
لم يصدر تعليق فوري من مكتب النائبة بعد إعلان لائحة الاتهام، كما لم تُسجل لها أي مشاركة في سلسلة التصويتات التي جرت في مجلس النواب مساء الأربعاء، وفق سجلات المجلس. وفي بيان صادر عن فريقها القانوني، أكد محاموها أنها «خادمة عامة ملتزمة بخدمة ناخبيها»، وأنهم «سيقاتلون من أجل تبرئة اسمها»، مؤكدين أنها تنفي ارتكاب أي مخالفة وتتمسك ببراءتها.
من جانبها، شددت وزارة العدل على أن لائحة الاتهام «مجرد ادعاء» في هذه المرحلة، وأن جميع المتهمين – ومن بينهم النائبة وشقيقها والمتهمون الآخرون – يُفترض فيهم البراءة حتى تثبت إدانتهم بما لا يدع مجالًا للشك. ووصفت المدعية العامة بام بوندي استخدام أموال الإغاثة في الكوارث من أجل الإثراء الشخصي بأنه «جريمة أنانية وسلبية بشكل خاص»، مؤكدة أن «لا أحد فوق القانون، خصوصًا من يستغل موقعه العام لسرقة أموال دافعي الضرائب».
العقوبات المحتملة والخطوات التالية في القضية
بحسب وزارة العدل، تواجه شيرفيلوس-ماكورميك، إذا أُدينت بجميع التهم، عقوبة قصوى قد تصل إلى ٥٣ عامًا من السجن، بينما يواجه شقيقها إدوين عقوبة قصوى تصل إلى ٣٥ عامًا، والمتهمة نادِج لوبلان حتى ١٠ أعوام، ومُعدّ الإقرار الضريبي ديفيد سبنسر حتى ٣٣ عامًا. وتوضح السلطات أن هذه الأرقام تمثل الحد الأقصى القانوني، وأن العقوبة الفعلية، إذا قضت المحكمة بالإدانة، ستُحدَّد وفق إرشادات الأحكام الفدرالية وسجل المتهمين وما إذا كان سيتم التوصل إلى اتفاقات إقرار بالذنب من عدمه.
القضية الآن أمام «هيئة محلفين كبرى» Grand Jury في ميامي، وهي هيئة من المواطنين تُكلَّف في النظام الأمريكي بتحديد ما إذا كانت الأدلة كافية لتوجيه الاتهام رسميًا، فيما تظل مسألة الإدانة أو البراءة من اختصاص المحكمة في مرحلة المحاكمة. ومن المتوقَّع أن تشهد الأسابيع المقبلة مثول المتهمين أمام المحكمة الفدرالية لعقد الجلسات التمهيدية وتحديد الجدول الزمني الكامل لسير الدعوى.
نائبة أخرى تحت المجهر: قضية لامونيكا ماكآيفر من نيوجيرسي
تشير هذه القضية إلى تزايد التدقيق القانوني في سلوك بعض أعضاء الكونغرس من الحزبين؛ فإلى جانب اتهامات شيرفيلوس-ماكورميك، تواجه النائبة الديمقراطية عن ولاية نيوجيرسي، لامونيكا ماكآيفر، لائحة اتهام فدرالية منفصلة صدرت في يونيو الماضي، على خلفية مزاعم بأنها «أعاقت وتدخلت بالقوة» في عمل ضباط إنفاذ القانون الفدراليين خارج مركز احتجاز تابع لوكالة الهجرة والجمارك الأمريكية ICE، خلال احتجاجات على احتجاز مهاجرين غير موثّقين. وقد دفعت ماكآيفر ببراءتها، وتقول إنها كانت تقوم بدورها الرقابي كنائبة منتخبة، بينما تؤكد وزارة العدل أنها ستسعى لإثبات التهم أمام المحكمة.
وبينما تختلف تفاصيل كل قضية، يبقى القاسم المشترك بينها هو إصرار السلطات الفدرالية على أن أعضاء الكونغرس، رغم حصانتهم التشريعية في إطار عملهم تحت قبة البرلمان، لا يتمتعون بحصانة من الملاحقة الجنائية إذا وُجدت أدلة على ارتكاب جرائم تتعلق بأموال عامة أو بعرقلة عمل جهات إنفاذ القانون.






