وكالات
يوم واحد بات يفصل الولايات المتحدة عن موعد الانتخابات النصفية للكونغرس، المقررة الثلاثاء، والتي يصوّت فيها الناخبون لتجديد جميع مقاعد مجلس النواب (435 مقعداً)، وثلث أعضاء مجلس الشيوخ (مائة مقعد)، ولـ36 حاكم ولاية وعدد كبير من المسؤولين المحليين.
ويصوّت الأميركيون، في العادة، لخياراتهم، ومن يجدونهم من المرشحين الأفضل لإدارة شؤون البلاد، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بعد عامين من ولاية أي رئيس. إلا أن المعركة الحالية تبدو مفصلية، إذ تأتي في ذروة الحرب الروسية على أوكرانيا، التي تركت أثرها الكبير على الاقتصاد العالمي، وفيما يزداد الاستقطاب السياسي في الولايات المتحدة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري حدّة وشراسة. كما أن وجهة المعركة من شأنها رسم معالم المعركة الرئاسية في 2024، وحظوظ الرئيس السابق دونالد ترامب في الترشح مجدداً للرئاسة.
وعلى الرغم من سير المعركة الانتخابية، ظاهرياً، بشكل اعتيادي، من حيث التجمعات الانتخابية وإغداق المال الانتخابي، إلا أن الشعارات التي ترفع، خصوصاً من جانب الديمقراطيين، تحمل الكثير في طيّاتها من التحذيرات للأميركيين، من المرحلة المقبلة، إذا ما تمكن الجمهوريون من استعادة مجلسي النواب والشيوخ، أو أحدهما.
يدفع الديمقراطيون ثمن إعادة تنظيم الدوائر الانتخابية
ويحذّر الحزب الديمقراطي من مرحلة مقبلة من الفوضى، إذا ما حصل ذلك، فيما يعد الجمهوريون بتحسين الاقتصاد، وبعضهم بمعاقبة الرئيس جو بايدن على أدائه وتراجع الاقتصاد.
ورغم تمكن الديمقراطيين من إسقاط سعي ترامب في 2020 إلى ولاية ثانية، والحفاظ على مجلس النواب ونصف أعضاء “الشيوخ”، إلا أن التقارير الصحافية، وتصريحات المسؤولين، تشي بخلافات داخل الحزب، لا سيما بين جناحيه المعتدل والتقدمي، حول مسائل عدة، داخلية وخارجية، فيما يبدو الجمهوريون على رغم نمو تيار داخلهم مروّج لنظريات المؤامرة، و”سرقة الانتخابات” التي ساقها ترامب لدى خسارته معركة الرئاسة قبل عامين، اليوم، أكثر تماسكاً في خطابهم، وأجندتهم الانتخابية.
وتتمحور المواضيع التي يركّز عليها الجمهوريون حول الحفاظ على “روح” الولايات التي يترشحون عنها، لجهة “المحافظة” في مواصلة لجذب الشرائح الإنجيلية، حتى من الأقلّيات، بالإضافة إلى تعهدات بتأمين الوظائف والحفاظ على حقوق العمل للأميركيين، وفرض الأمن الذي بات يثير القلق في مدن أميركية كبرى، مثل شيكاغو (إلينوي)، وتشديد القوانين لمكافحة الهجرة غير النظامية.
في موازاة ذلك، وبعدما أمضى الحزب الأزرق أشهراً في تسليط الضوء على حقّ النساء في الإجهاض، ورفع شعار “حماية الديمقراطية”، يبدي مخططون استراتيجيون للحزب الديمقراطي ندمهم على عدم مواجهة سردية الجمهوريين حول تراجع الاقتصاد، وهي الهمّ الأول للناخبين بحسب استطلاعات الرأي، والتي تلقي اللوم بالكامل على سياسات بايدن، بنظرية مضادة، عبر التحذير من خطر تسلّم الجمهوريين غرفتي الكونغرس مجدداً، لما سيشكّل ذلك من خطر على نظام التأمين الصحي والاجتماعي.
وكان بايدن قد سعى إلى تمرير مشاريع في الكونغرس خلال العامين الأولين من ولايته، لتقديم تسهيلات مالية واجتماعية، للفئات الأكثر هشاشة، ومنها الطلاب. لكن الحرب الروسية على أوكرانيا، وارتفاع أسعار النفط، واستمرار تداعيات فيروس كورونا خصوصاً خلال العام الأول من ولايته، رفعت نسبة التضخم في البلاد إلى حدود قياسية، فضلاً عن عدم اكتراث الأميركيين بما إذا كان ارتفاع تكلفة المعيشية قد أصبح أزمة عالمية.
وأدّى ذلك، بالإضافة إلى فقدان بايدن ونائبته كامالا هاريس الكاريزمية السياسية المطلوبة، وتضارب أجندة الديمقراطيين في ما بينهم أحياناً، إلى وصول بايدن للانتخابات النصفية بأقل قدر من الشعبية. وحصل ذلك، فيما ظلّت المعركة محتدمة بين الطرفين الجمهوري والديمقراطي، داخل الولايات، حيث دفع الحزب الجمهوري في الولايات التي يسيطر عليها لتشديد قوانين الانتخاب، والحدّ من التسجيل الانتخابي للأقليات.
ووجّه المرشحّون للانتخابات الكونغرس النصفية، خلال عطلة نهاية الأسبوع في الولايات المتحدة، آخر مناشداتهم للناخبين، وأعادوا التذكير بالأجندات التي ترشحوا من أجلها، لا سيما في الولايات التي تشهد تنافساً حاداً بين الحزبين، وأبرزها: نيفادا، ويسكونسين، نيو هامشير، بنسلفانيا، جورجيا، وميشيغن.
وتحتدم المعركة أيضاً، بشكل مفاجئ، في نيويورك على منصب الحاكمية، الذي ظلّ لفترة طويلة بيد الديمقراطيين، وحيث تواجه حاكمة الولاية كاثي هوشول منافسة شرسة من النائب الجمهوري لي زلدين، ما استدعى الحزب الديمقراطي إلى تكثيف الحملات لصالحها، والتي شارك فيها بايدن ونائبته، فضلاً عن الرئيس الأسبق بيل كلينتون، وزوجته وزيرة الخارجية السابقة والمرشحة الرئاسية السابقة هيلاري كلينتون.
تحتدم المعركة أيضاً بشكل مفاجئ في نيويورك على منصب الحاكمية، الذي ظلّ لفترة طويلة بيد الديمقراطيين
ويساهم في تراجع هوشول المال الانتخابي الذي يغدقه الجمهوريون في الحملة، وفي أي حملة في المناطق المصنّفة “زرقاء” تقليدياً، حيث يعد الحزب المحافظ، ليس فقط بالفوز، بل بإحداث خرق كبير في الولايات الديمقراطية التقليدية. ويحتاج الجمهوريون إلى 5 مقاعد فقط لاستعادة مجلس النواب، لكن الجو “شديد الغموض” بحسب ما ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” في تقرير لها نشر أمس الأحد، لدرجة أن بعض المخططين الاستراتيجيين للحزب يقولون في جلساتهم المغلقة إن خسارة 20 مقعداً فقط “قد تكون في نهاية المطاف خبراً ساراً”.
ويدفع الحزب الديمقراطي، بحسب بعض المخططين الاستراتيجيين، ثمن “ارتفاع التضخم، وتراجع شعبية الرئيس”، ولكن أيضاً إعادة تنظيم الدوائر الانتخابية (redistricting)، التي أجرتها العديد من الولايات الديمقراطية، على أمل تعزيز حظوظ الحزب الانتخابية، وتوزيع الدوائر بما يضمن أصوات الأقليات. لكن ذلك، يبدو أنه انعكس سلباً على الحزب، في موسم انتخابي صعب، ومع فوز نواب تقدميين قبل عامين، ولا يتمتعون بالخبرة اللازمة، ومواجهتهم اليوم معركة شرسة مع مرشحين جمهوريين، لا سيما مع فقدانهم أصوات الناخبين الديمقراطيين المعتدلين، أو المستقلين، أو الديمقراطيين الذين يمتلكون أفكاراً محافظة.
وعلى هذه القاعدة، احتضنت ولاية بنسلفانيا، وهي إحدى الولايات الحاسمة، أول من أمس السبت، ثلاثة رؤساء أميركيين دفعة واحدة، هم الرئيس الحالي، والرئيسان السابقان دونالد ترامب وباراك أوباما، لدعم مرشحي الحزبين في الانتخابات. واجتمع بايدن وأوباما على منصة واحدة في فيلادلفيا، في لقاء معلن هو الأول لهما منذ فوز بايدن بالرئاسة.
واعتبر بايدن أن انتخابات الثلاثاء ستكون لحظة “فارقة” في مصير الديمقراطية الأميركية، محذراً من الذهاب إلى مرحلة من الفوضى، فيما أقرّ أوباما أن “الديمقراطية قد لا تكون في صدارة اهتمام المواطن في الوقت الحالي، لكن عندما يصيبها الضرر، فإن الناس سيتأذون”.
من جهته، دعا ترامب في تجمع انتخابي مضاد، من الولاية، إلى حشد “موجة حمراء عملاقة” من الجمهوريين لضمان الفوز على الديمقراطيين. وقال ترامب أمام تجمع حاشد: “إذا كنتم تريدون وقف تدمير بلادنا وإنقاذ الحلم الأميركي يجب عليكم إذاً هذا الثلاثاء أن تصوتوا للجمهوريين في موجة حمراء عملاقة”.
يذكر أن الأمر قد يستغرق لمعرفة نتائج انتخابات التجديد للكونغرس أسبوعاً، بحسب خبراء في الشأن الانتخابي الأميركي، لا سيما مع توقعات بأن تكون المنافسة متقاربة بين مرشحي الحزبين الديمقراطي والجمهوري في بعض الولايات. وقد تشهد الولايات التي يسمح فيها بفرز أوراق الاقتراع بالبريد باكراً موجة فوز زرقاء “وهمية” مع بدء صدور النتائج، لتفضيل الديمقراطيين للتصويت المبكر، فيما ستشهد الولايات التي لا تسمح بذلك عكس ذلك.