في قرار قضائي له تداعيات خطيرة على طالبي اللجوء، سمحت المحكمة العليا في الولايات المتحدة لإدارة الرئيس ترامب بالمضي قدماً في سياسة مثيرة للجدل تُعرف باسم “الترحيل إلى دولة ثالثة”. هذا القرار، الذي صدر بشكل موجز وبدون شرح مفصل، يضعف بشكل كبير الحماية الممنوحة للمهاجرين الفارين من الاضطهاد والعنف في بلدانهم.
شرح المفهوم: ما هو “الترحيل إلى دولة ثالثة”؟
بشكل عام، عندما يتم ترحيل شخص من الولايات المتحدة، يتم إعادته إلى بلده الأصلي. لكن سياسة “الترحيل إلى دولة ثالثة” (third-country removal) تسمح للحكومة بترحيل المهاجر إلى أي بلد آخر في العالم يوافق على استقباله، حتى لو لم يكن للمهاجر أي صلة بهذا البلد، أو لا يتحدث لغته، أو قد يواجه فيه خطراً على حياته. هذه السياسة تُستخدم كأداة لردع الهجرة، لكنها تتجاوز الإجراءات القانونية المعتادة التي تضمن دراسة طلبات اللجوء بشكل عادل.
تفاصيل القضية وقرار المحكمة
المحكمة العليا الأمريكية هي أعلى محكمة في البلاد، وقراراتها نهائية وملزمة لجميع المحاكم والحكومات في الولايات المتحدة. عندما تحكم المحكمة العليا في قضية، فإن حكمها يصبح « قانون البلاد » ولا يمكن الطعن فيه إلا من خلال تعديل دستوري أو قرار لاحق من نفس المحكمة. هذا النظام، المعروف باسم « المراجعة القضائية »، يمنح المحكمة العليا سلطة تفسير الدستور وتحديد ما إذا كانت القوانين والسياسات الحكومية دستورية أم لا.
صدر القرار في إطار قضية تتعلق بمجموعة من المهاجرين، بينهم رجال من جنوب السودان التي مزقتها الحرب، كانت السلطات الأمريكية تحتجزهم في قاعدة عسكرية أمريكية في جيبوتي. كانت المحاكم الأدنى قد منعت الحكومة من ترحيلهم إلى بلد ثالث دون منحهم فرصة لعرض قضيتهم أمام قاضي هجرة وإثبات أنهم قد يواجهون التعذيب أو الأذى الجسيم هناك. لكن المحكمة العليا، باستخدام ما يُعرف بـ “جدول الظل” (shadow docket) – وهو مسار سريع لإصدار أوامر طارئة دون جلسات استماع كاملة – ألغت قرار المحكمة الأدنى، مما أعطى الضوء الأخضر للحكومة للمضي في عمليات الترحيل هذه.
وقد انتقد القضاة الليبراليون في المحكمة هذا القرار بشدة، حيث أشارت القاضية سونيا سوتومايور في رأيها المخالف إلى أن الحكومة تجاهلت مراراً أوامر المحاكم الفيدرالية، وأن هذا القرار “يكافئ عدم الامتثال للقانون”.
تأثير القرار على طالبي اللجوء من الدول العربية والإفريقية
هذا القرار يشكل تهديداً مباشراً لطالبي اللجوء القادمين من دول تشهد نزاعات واضطرابات، مثل السودان واليمن وسوريا. على سبيل المثال، يمكن الآن لطالب لجوء سوداني فر من الحرب الأهلية أن يجد نفسه مُرحّلاً ليس إلى السودان، ولكن ربما إلى دولة أخرى غير مستقرة في إفريقيا أو أمريكا اللاتينية، دون أن تتاح له فرصة حقيقية لإثبات الخطر الذي يواجهه في ذلك البلد الجديد. يجادل المدافعون عن حقوق الإنسان بأن هذه السياسة تنتهك التزامات الولايات المتحدة بموجب “اتفاقية مناهضة التعذيب” الدولية، التي تحظر إعادة أي شخص إلى دولة يُعتقد أنه سيواجه فيها خطر التعذيب. هذا التطور القانوني يمثل تآكلاً خطيراً لأسس نظام اللجوء الأمريكي، ويترك الفئات الأكثر ضعفاً في مواجهة مصير مجهول.
من المهم للمجتمعات المهاجرة فهم أن هذا القرار لا يلغي حق طلب اللجوء بالكامل، لكنه يغير بشكل كبير العملية والمكان الذي يمكن أن تتم فيه. العائلات التي لديها قضايا لجوء معلقة أو تفكر في تقديم طلبات لجوء يُنصح بشدة بطلب المشورة القانونية من محامين متخصصين في قانون الهجرة لفهم كيفية تأثير هذا القرار على حالاتهم الخاصة والخيارات المتاحة لهم.