أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الأربعاء، عن خطط لإرسال ما يصل إلى 30,000 مهاجر غير شرعي إلى منشآت احتجاز في خليج غوانتانامو، كوبا، في إطار حملته لترحيل المهاجرين الذين ارتكبوا جرائم.
ووقع ترامب مذكرة تلزم وزارة الدفاع (البنتاغون) ووزارة الأمن الداخلي بالتحضير لنقل المهاجرين إلى القاعدة العسكرية في غوانتانامو، وذلك بعد إعلانه عن الخطة خلال توقيعه على “قانون لاكن رايلي” المناهض للهجرة غير الشرعية.
وقال ترامب في كلمة له: “اليوم أوقع أمرًا تنفيذيًا يوجه وزارة الدفاع ووزارة الأمن الداخلي للبدء في تجهيز منشأة احتجاز تتسع لـ 30 ألف مهاجر في غوانتانامو”، مضيفًا: “معظم الناس لا يعلمون أن لدينا 30 ألف سرير هناك لاحتجاز أسوأ المجرمين من المهاجرين غير الشرعيين الذين يشكلون تهديدًا للشعب الأمريكي”.
وأوضح الرئيس الأمريكي أن بعض هؤلاء المهاجرين “سيئون للغاية لدرجة أننا لا نثق حتى في بلدانهم لاحتجازهم، لأننا لا نريدهم أن يعودوا”، مؤكدًا أن “غوانتانامو مكان يصعب الخروج منه”.
توسيع مراكز الاحتجاز لمكافحة الهجرة غير الشرعية
تنص المذكرة التي وقعها ترامب على أن تتخذ وزارة الدفاع ووزارة الأمن الداخلي “كل الإجراءات المناسبة لتوسيع” منشآت الاحتجاز إلى أقصى طاقتها من أجل توفير مساحة إضافية للمهاجرين غير الشرعيين ذوي الأولوية العالية من أصحاب السوابق الإجرامية.
ويعد غوانتانامو، القاعدة البحرية الأمريكية التي تستأجرها واشنطن من الحكومة الكوبية بموجب اتفاق طويل الأمد، موقعًا مثيرًا للجدل، حيث استُخدم منذ هجمات 11 سبتمبر 2001 لاحتجاز المشتبه في انتمائهم إلى جماعات إرهابية. ووفقًا للتقارير، فإن عدد المحتجزين هناك انخفض من نحو 700 شخص عام 2003 إلى 15 فقط حاليًا.
كما تحتضن القاعدة عددًا صغيرًا من طالبي اللجوء الذين تم اعتراضهم في البحر، ولكن تاريخيًا كان العدد أكبر بكثير. فبين عامي 1991 و1996، استضاف غوانتانامو نحو 50,000 مهاجر من هايتي وكوبا، بتكلفة بلغت حوالي 250 مليون دولار، وفقًا لما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز، حيث تم رفض طلبات لجوء معظم الهايتيين، بينما قُبلت طلبات الكوبيين.
تأكيد رسمي واستعدادات مكثفة
من جانبه، قال توم هومان، المسؤول عن ملف الحدود في إدارة ترامب، إن هناك بالفعل “مركزًا للمهاجرين” في غوانتانامو “منذ عقود”، مشيرًا إلى أن الحكومة “ستقوم فقط بتوسيع هذا المركز”. وأكد أن جميع المنشآت، بما في ذلك غوانتانامو، “ستتمتع بأعلى المعايير”، مضيفًا أن الرحلات الجوية إلى القاعدة الكوبية “ستكون مخصصة للأسوأ من الأسوأ”.
أما وزيرة الأمن الداخلي، كريستي نويم، فأوضحت أن الإدارة الأمريكية ستحاول تنفيذ المبادرة بالاعتماد على “الموارد المتاحة حاليًا”، لكنها لم تستبعد الحاجة إلى تمويل إضافي من خلال مشروع قانون الموازنة المطروح أمام الكونغرس.
جدل قانوني واعتراضات حقوقية
أثارت خطة ترامب انتقادات قانونية وحقوقية، حيث أكد محامو بعض المحتجزين في غوانتانامو أنهم سيطعنون في القرار أمام المحاكم، بحجة انتهاكه لحقوق المهاجرين في الحصول على الإجراءات القانونية الواجبة، بالإضافة إلى المخاوف بشأن ظروف الاحتجاز ومعايير حقوق الإنسان.
وقال ويلز ديكسون، المحامي في مركز الحقوق الدستورية، إن منشآت الهجرة في غوانتانامو “عبارة عن مبنى قديم متهالك بحجم مدرسة صغيرة”، مشيرًا إلى أن تنفيذ خطة ترامب قد يكلف “مليارات إن لم يكن تريليونات الدولارات”، نظرًا لأن تكلفة إدارة منشآت الاحتجاز في القاعدة تبلغ قرابة نصف مليار دولار سنويًا.
وأضاف ديكسون: “كل شيء في غوانتانامو أغلى تكلفة بسبب موقعه النائي”، مشيرًا إلى أن “كل رحلة طيران تهبط هناك تكلف أكثر من 100,000 دولار”. وأكد أن المركز الذي يعمل فيه سيتحدى احتجاز المهاجرين إلى أجل غير مسمى أمام المحاكم الفيدرالية، مضيفًا: “غوانتانامو لم تفعل شيئًا سوى تشويه صورة الولايات المتحدة في العالم”.
تاريخ طويل من الجدل
في السياق ذاته، قال جوناثان هافيتز، أستاذ القانون في جامعة سيتون هول، والذي سبق أن دافع عن معتقلين في غوانتانامو، إن هناك “عدة دعاوى قضائية محتملة” ضد خطة ترامب، مشيرًا إلى أن المحكمة العليا الأمريكية سبق أن أصدرت أحكامًا ضد سياسات الاحتجاز في عهد الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش.
وأوضح هافيتز أن “غوانتانامو له تاريخ سيئ السمعة كمكان يُؤخذ إليه الأشخاص لإبقائهم خارج نطاق القانون”، مضيفًا: “كل مرة جلبوا أشخاصًا إلى غوانتانامو، كان ذلك بهدف منعهم من الوصول إلى المحاكم واحتجازهم في ظروف دون المستوى”.
وأكد أن استخدام غوانتانامو لاحتجاز مهاجرين تم اعتقالهم داخل الولايات المتحدة سيكون “أمرًا غير مسبوق”، مشيرًا إلى أن “نجاح الطعون القانونية ضد الخطة سيعتمد على كيفية تعامل المحكمة العليا الحالية معها”.
معركة سياسية وقضائية مرتقبة
مع استمرار ترامب في تنفيذ سياسته المتشددة تجاه الهجرة غير الشرعية، من المتوقع أن يواجه قراره الجديد معارضة سياسية وقانونية شديدة، حيث يرى منتقدوه أنه خطوة تصعيدية تهدف إلى ترسيخ نهج صارم ضد المهاجرين، بينما يراه أنصاره وسيلة ضرورية لتعزيز الأمن القومي.
وفي ظل تصاعد الجدل، يبقى السؤال: هل سيتمكن ترامب من تنفيذ خطته وسط التحديات القانونية والسياسية المتزايدة، أم أن المحاكم ستقف حاجزًا أمام هذه الخطوة غير المسبوقة؟